عرض مشاركة واحدة
قديم 16-05-2017, 01:58 PM   #20
ابوبيان
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Sep 2011
المشاركات: 2,642
افتراضي رد: !!!! عودي إلى الرحمن إلي كل اخت محافظه وإلي كل أخ ابتعد عن الله !!!!

- ومما يعين على ترك المعاصي بأكملها وترك هذه المعصية بعينها: معرفة العقوبات الشرعية التي رتبها الله عليها، فإن معرفة عقوبة الذنب، تستوجب من العاقل تركه ولا ريب، قال الإمام ابن القيم رحمه الله وهو يعدد بعض عقوباتها مجملة في كتابه الجواب الكافي[33] ص 98 وما بعدها:
فمما ينبغي أن يعلم أنّ الذنوب والمعاصي تضرُّ ولابدّ، وأنَّ ضررها في القلوب كضرر السموم في الأبدان، على اختلاف درجاتها في الضرر. وهل في الدنيا والآخرة شرٌّ وداءٌ إلاَّ وسببه الذنوب والمعاصي؟
فما الذي أخرج الأبوين من الجنة دار اللذة والنعيم والبهجة والسرور إلى دار الآلام والأحزان والمصائب؟
وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء، وطردَه ولعنَه، ومسخَ ظاهره وباطنه، فجعلت صورتُه أقبح صورة وأشنعها، وباطنُه أقبح من صورته وأشنع، وبدل بالقرب بعدًا، وبالرحمة لعنةً، وبالجمال قبحًا، وبالجنة نارا تلظّى، وبالإيمان كفرا، وبموالاة الولي الحميد أعظمَ عداوةٍ ومشاقّةٍ، وبزجلِ التسبيح والتقديس والتهليل زجلَ الكفر والشرك والكذب والزور والفحشِ، وبلباسِ الإيمان لباسَ الكفر والفسوق والعصيان. فهان على الله غاية الهوان، وسقط من عينه غاية السقوط، وحل عليه غضب الرب تعالى فأهواه، ومقته أكبر المقت فأرداه. فصار قوَّادًا لكل فاسق ومجرم، رضي لنفسه بالقيادة، بعد تلك العبادة والسيادة. فعياذا بك اللهم من مخالفة أمرك وارتكاب نهيك.
وما الذي أغرق أهل الأرض كلَّهم حتى علا الماء فوق رأس الجبال؟.
وما الذي سلط الريح العقيم على قوم عاد حتى ألقتهم موتي على وجه الأرض، كأنهم أعجاز نخل خاوية، ودمَّرت ما مرَّت عليه من ديارهم وحروثهم وزروعهم ودوابِّهم حتى صاروا عبرة للأمم إلى يوم القيامة؟.
وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحةَ حتى قطَّعت قلوبهم في أجوافهم، وماتوا عن آخرهم؟.
وما الذي رفع قرى اللوطية حتى سمعت الملائكةُ نبيحَ كلابهم، ثم قلبها عليهم، فجعل عاليها سافلها فأهلكم جميعا. ثم أتبعهم حجارة من السماء أمطرها عليهم، فجمع عليهم من العقوبة ما لم يجمعه على أمَّةٍ غيرهم؟. ولإخوانهم أمثالها، وما هي من الظالمين ببعيد!.
وما الذي أرسل على قوم شعيب سحابَ العذاب كالظُّلل، فلما صارَ فوق رؤوسهم أمطر عليهم نارا تلظّى؟.
وما الذي أغرق فرعون وقومه في البحر، ثم نُقلت أرواحُهم إلى جهنّم. فالأجساد للغرق، والأرواح للحرق؟.
وما الذي خسف بقارون وداره وماله وأهله؟.
وما الذي أهلك القرون من بعد نوح بأنواع العقوبات، ودمَّرها تدميرا؟.
وما الذي أهلك قوم صاحب يس بالصيحة، حتى خمدوا عن آخرهم؟.
وما الذي بعث على بني إسرائيل قومًا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار، وقتلوا الرجال، وسبوا الذريَّة والنساء، وأحرقوا الديار، ونهبوا الأموال. ثم بعثهم عليهم مرة ثانية فاهلكوا ما قدروا عليه، وتبَّروا ما علو تتبيرا؟.
وما الذي سلّطَ عليهم أنواعَ العقوبات، مرَّةً بالقتل والسبي وخراب البلاد، ومَرَّةً بجور الملوك، ومَرَّةً بمسخهم قردةً وخنازير، وآخر ذلك أقسم الرب تبارك وتعالى:" لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ"[34] إلخ.
ومما ذكر في كتابه هذا عقوبات الذنوب مفصلة فينبغي الرجوع إليها، والاستبصار فيها، فإن ذلك مما يعين على ترك المعصية والبعد عنها.
- ومما يعين على ترك المعاصي بأكملها وترك هذه المعصية بعينها: التعبد لله بعبادة أمرنا الله سبحانه أن نتواصى بها، وأن يرغب بعضنا بعضا فيها، لأهميتها وعظيم نفعها، ولأن العبد لا يمكنه في سيره إلى الله أن يستغني عنها، ألا وهي الصبر والتصبر، وقد ألف الإمام ابن القيم رحمه الله - كما لا يخفى عليك إن شاء الله[35] -، كتابا حافلا حول هذه العبادة، وتكلم عليها بكلام ليس عليه زيادة، وهو كتاب:"عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين"، فعد إليه وتدبر فصوله وجمله وكلماته، فقد حوى من الخير الشيء الكثير، ومن الدرر ما بها القلب يستنير. ومما جاء من كلام عليه[36]، لهذا الإمام نفسه، في غير الكتاب الذي تقدمت الإشارة إليه، قال رحمه الله في مدارج السالكين[37] ج2 ص 163:
وهو ثلاثة أنواع : صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على امتحان الله.
فالأولان: صبر على ما يتعلق بالكسب. والثالث: صبر على ما لا كسب للعبد فيه.
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: كان صبر يوسف عن مطاوعة امرأة العزيز على شأنها: أكمل من صبره على إلقاء إخوته له في الجب وبيعه، وتفريقهم بينه وبين أبيه، فإن هذه أمور جرت عليه بغير اختياره، لا كسب له فيها، ليس للعبد فيها حيلة غير الصبر. وأما صبره عن المعصية: فصبر اختيار ورضا ومحاربة للنفس، ولا سيما مع الأسباب التي تقوى معها دواعي الموافقة، فإنه كان شابا وداعية الشباب إليها قوية، وعزبا ليس له ما يعوضه ويرد شهوته، وغريبا والغريب لا يستحي في بلد غربته مما يستحي منه من بين أصحابه ومعارفه وأهله، ومملوكا والمملوك أيضا ليس وازعه كوازع الحر، والمرأة جميلة وذات منصب وهي سيدته، وقد غاب الرقيب وهي الداعية له إلى نفسها والحريصة على ذلك أشد الحرص، ومع ذلك توعدته إن لم يفعل: بالسجن والصغار، ومع هذه الدواعي كلها: صبر اختيارا وإيثارا لما عند الله وأين هذا من صبره في الجب على ما ليس من كسبه.
وقال ابن القيم رحمه الله في الكتاب نفسه وهو ينقل كلام المتقدمين على الصبر وتعاريفهم له ج2 ص 165:
وقف رجل على الشبلي فقال: أي صبر أشد على الصابرين؟ فقال: الصبر في الله. قال السائل: لا. فقال: الصبر لله. فقال: لا. فقال: الصبر مع الله. فقال: لا. قال الشبلي: فإيش هو؟. قال: الصبر عن الله. فصرخ الشبلي صرخة كادت روحه تتلف" إهـ.
قلت: وهذه والله هي الطامة الكبرى أن يصبر الإنسان على بعده عن ربه، وهو لا يمكنه أن يستغني طرفة عين عنه، فكيف يصبر العبد على من الخير كله بيديه، ومصالح العبد لا تتحقق إلا بمشيئته وإرادته، وتقديره وقضائه، وليس للعبد فوز إلا بالقرب منه والدنو من حضرته، ولا حياة ولا سعادة ولا فلاح ولا سرور ولا طمأنينة إلا بالتذلل له والاجتهاد في إرضائه.
- ومن أكبر ما يعين على ترك المعاصي بأكملها وترك هذه المعصية بعينها: تذكر المصير المحتم، والمفاجئ الأعظم، ومنغص الشهوات، وهادم اللذات، ألا وهو الموت الذي ينبغي الإكثار من ذكره، والاستعداد له قبل مجيئه، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أكثروا ذكر هاذم اللذات يعني الموت" رواه ابن ماجة وغيره وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن ابن ماجة.
- روى ابن قدامة رحمه الله في كتابه التوابين: عن علي بن الحسين قال: كان لنا جار من المتعبدين قد برز في الاجتهاد، فصلى حتى تورمت قدماه، وبكى حتى مرضت عيناه، فاجتمع إليه أهله وجيرانه فسألوه أن يتزوج، فاشترى جارية وكانت تغني وهو لا يعلم، فبينا هو ذات يوم في محرابه يصلي، رفعت الجارية صوتها بالغناء، فطار لبه فرام ما كان عليه من العبادة فلم يطق، فأقبلت الجارية عليه فقالت: يا مولاي لقد أبليت شبابك، ورفضت لذات الدنيا أيام حياتك، فلو تمتعت بي. فمال إلى قولها، واشتغل باللذات عما كان فيه من التعبد، فبلغ ذلك أخا له كان يوافقه على العبادة، فكتب إليه بسم الله الرحمن الرحيم، من الناصح الشفيق، والطبيب الرفيق، إلى من سلب حلاوة الذكر، والتلذذ بالقرآن، والخشوع والأحزان، بلغني أنك اشتريت جارية بعت بها من الآخرة حظك، فإن كنت بعت الجزيل بالقليل، والقرآن بالقيان، فإني محذرك هادم اللذات، ومنغص الشهوات، وموتم الأولاد، فكأنه قد جاء على غرة فأبكم منك اللسان، وهدم منك الأركان، وقرب منك الأكفان، واحتوشك الأهل والجيران، وأحذرك من الصيحة إذا جثت الأمم لهول ملك جبار، فاحذر يا أخي ما يحل بك من ملك غضبان، ثم طوى الكتاب وأنفذه إليه، فوافاه الكتاب وهو في مجلس سروره، فغص بريقه، وأذهله ذلك فنهض مبادرا من مجلس سروره، وكسر آنيته، وهجر جاريته، وآلى أن لا يطعم الطعام، ولا يتوسد المنام. قال الذي وعظه: فلما مات رأيته في المنام بعد ثلاث، فقلت ما فعل الله بك؟. قال: قدمنا على رب كريم أباحنا الجنة وقال:
الله عوضنــي ذو العرش جارية ... حوراء تسقيني طورا وتهنيني
تقول لي اشرب بما قد كنت تأملني ... وقر عينا مع الولدان والعين
يا من تخلى عن الدنيــا وأزعجه ... عن الخطايا وعيد في الطواسين
- ومما يعين على ترك المعاصي بأكملها وترك هذه المعصية بعينها: قراءة قصص التائبين، والنظر في سير المنيبين، والتبصر فيما ذكر عنهم، والاستبصار في أقوالهم وأعمالهم وأحوالهم، فإن الحكايات كما قال بعض السلف جند من جنود الله، يثبت بها من يشاء من عباده، وأنصحك بقراءة كتاب التوابين للإمام ابن قدامة رحمه الله على ما فيه، وها أنا أنتقي لك منه بعض قصصه، لعلها تحفزك على قراءته، والانتفاع به، وهي:
- روى الإمام ابن قدامة في كتاب التوابين ص 157[38]: عن جعفر الصائغ قال: كان في جيران أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رجل ممن يمارس المعاصي والقاذورات، فجاء يوما إلى مجلس أحمد يسلم عليه، فكأن أحمد لم يرد عليه ردا تاما وانقبض منه، فقال له: يا أبا عبد الله لم تنقبض مني؟ فإني قد انتقلت عما كنت تعهدني برؤيا رأيتها. قال: وأي شيء رأيت؟. قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، كأنه على علو من الأرض، وناس كثير أسفل جلوس. قال: فيقوم رجل رجل منهم إليه، فيقول: ادع لي، فيدعو له حتى لم يبق من القوم غيري. قال: فأردت أن أقوم فاستحيت من قبيح ما كنت عليه. قال لي: يا فلان لم لا تقوم إلي فتسألني أدعو لك؟. قال قلت: يا رسول الله يقطعني الحياء لقبيح ما أنا عليه. فقال: إن كان يقطعك الحياء فقم فسلني أدع لك، فإنك لا تسب أحدا من أصحابي. قال: فقمت فدعا لي فانتبهت وقد بغض الله إلي ما كنت عليه. قال: فقال لنا أبو عبد الله: يا جعفر يا فلان حدثوا بهذا واحفظوه فإنه ينفع.
- وروى رحمه الله في الكتاب نفسه ص 124[39]: عن مالك بن دينار أنه سئل عن سبب توبته، فقال: كنت شرطيا، وكنت منهمكا على شرب الخمر. ثم إنني اشتريت جارية نفيسة؛ ووقعت منّي أحسن موقع، فولدت لي بنتا، فشغفت بها، فلما دبت على الأرض ازدادت في قلبي حبا، وألفتني وألفتها.
قال: فكنت إذا وضعت المسكر بين يَدَيَّ، جاءت إليَّ، وجاذبتني عليه، وهرقته من ثوبي.
فلما تمّ لها سنتان ماتت؛ فأكمدني حزنها.
فلما كانت ليلة النصف من شعبان، وكانت ليلة الجمعة، بتُّ ثَمِلًا من الخمر؛ ولم أصل فيها عشاء الآخرة. فرأيت فيما يرى النائم كأن القيامة قد قامت، ونفخ في الصور، وبعثرت القبور، وحشر الخلائق، وأنا معهم. فسمعت حسًّا من ورائي، فالتفت، فإذا أنا بتنِّينٍ، أعظم ما يكون، أسودَ أزرقَ، قد فتح فاه مسرعًا نحوي.
فمررت بين يديه هاربًا مرعوبًا، فمررت في طريقي بشيخٍ نقيِّ الثوب، طيّب الرائحة؛ فسلمت عليه فردَّ السلام، فقلت: أيّها الشيخ! أجرني من هذا التنِّين أجارك الله. فبكى الشّيخ وقال لي: أنا ضعيف، وهذا أقوى منِّي، وما أقدر عليه، ولكن مُرّ وأسرع، فلعل الله أن يُتِيح لك ما ينجيك منه.
فولَّيْتُ هاربًا على وجهي، فصعدتُ على شَرف من شُرَف القيامة، فأشرفت على طبقات النِّيران، فنظرت إلى هولها، وكدت أهوي فيها من فزع التنين، فصاح بي صائح: ارجع فلست من أهلها، فاطمأننت إلى قوله ورجعت.
ورجع التنِّين في طلبي، فأتيت الشيخ فقلت: يا شيخ، سألتك أن تجيرني من هذا التنِّين فلم تفعل. فبكى الشيخ، وقال: أنا ضعيف ولكن سر إلى هذا الجبل، فإن فيه ودائعَ المسلمين، فإن كان لك فيه وديعة فستنصرك.
قال: فنظرت إلى جبل مستدير من فضّة، وفيه كوًى مخرَّمة، وستور معلقة، على كُلِّ خوخة وكوَّة مصراعان من الذهب الأحمر، مفصَّلة باليواقيت، مكوكبة بالدّر، على كل مصراع ستر من الحرير.
فلما نظرت إلى الجبل، ولَّيتُ إليه هاربًا، والتنِّين من ورائي، حتى إذا قربت منه صاح بعض الملائكة: ارفعوا السُّتور، وافتحوا المصاريع، وأشرفوا، فلعل لهذا البائس فيكم وديعة تجيره من عدوِّه، فإذا الستور قد رُفعت، والمصاريع قد فتحت، فأشرف عليَّ من تلك المخرمات أطفال بوجوه كالأقمار. وقَرُبَ التنِّينُ مني فتحيَّرْتُ في أمري.
فصاح بعض الأطفال: ويحكم أشرفوا كُلّكم فقد قربَ منه عدوُّه.
فأشرفوا فوجًا بعد فوج، وإذا أنا بابنتي التي ماتت قد أشرَفَتْ عليَّ معهم.
فلما رأتني بكت وقالت: أبي والله، ثُمَّ وَثَبَتْ في كَفَّة من نور، كَرَمْيَةِ السَّهْمِ، حَتَى مَثُلَتْ بَيْنَ يَدَيَّ. فمدّت يدها الشِّمال إلى يدي اليمنى، فتعلَّقْتُ بها، ومدَّت يدها اليمنى إلى التنِّينِ فولَّى هاربا.
ثم أجلستني وقعدت في حجري، وضربت بيدها اليمنى إلى لحيتي، وقالت: يا أبتِ :" أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ" سورة الحديد من الآية 16. فبكيت، وقلت: يا بُنَيَّة، وأنتم تعرفون القرآن؟. فقالت: يا أبت! نحن أعرف به منكم.
قلت: فأخبريني عن التنِّين الذي أراد أن يهلكني؟. قالت: ذلك عملك السوء، قوَّيتَه، فأراد أن يغرقك في نار جهنّم.
قلت: فأخبريني عن الشيخ الذي مررت به في طريقي؟. قالت: يا أبتِ! ذلك عملك الصَّالح، أضعفته، حتى لم يكن له طاقة بعملك السوء.
قلت: يَا بُنَيَّة! وما تصنعون في هذا الجبل؟. قالت: نحن أطفال المسلمين، قد أُسكِنَّا فيه إلى أن تقوم الساعة، ننتظركم تقدمون علينا فنشفعَ لكم.
قال مالك: فانتبهتُ فزعًا، وأصبحتُ، فَأَرَقْتُ المسكر، وكَسَّرتُ الآنية، وتُبتُ إلى الله عَزَّ وَجلّ، وهذا كان سبب توبتي.
- وروى في الكتاب نفسه ص 126[40] بسنده: عن علي بن خشرم قال: أخبرني رجل من جيران الفضيل بن عياض، قال: كان الفضيل يقطع الطريق وحده. فخرج ذات ليلة ليقطع الطريق، فإذا هو بقافلة قد انتهت إليه ليلًا، فقال بعضهم لبعض: اعدلوا بنا إلى هذه القرية فإن أمامنا رجلًا يقطع الطريق، يقال له: الفضيل.
قال: فسمع الفُضيل، فأُرعِد، فقال: يا قوم أنا الفضيل، جوزوا، والله لأجتهدَنَّ أن لا أعصي الله أبدًا، فرجع عما كان عليه. ورُوِيَ من طريق أُخْرَى: أنه أضافهم تلك الليلة؛ وقال: أنتم آمنون من الفضيل. وخرج يرتاد لهم علفا، ثمّ رجع فسمع قارئا يقرأ:" أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ" سورة الحديد من الآية 16.
قال: بلى والله قد آن. فكان هذا مبتدأ توبته.
وقال إبراهيم بن الأشعث: سمعت فُضَيلًا ليلة وهو يقرأ سورة محمد صلى الله عليه وسلم، ويبكي ويردد هذه الآية:" وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31)" سورة محمد. وجعل يقول: وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ، ويردّد ويقول: وتبلوَ أخبارنا، إن بلوتَ أخبارنا فضحتنا، وهتكتَ أستارنا، إن بلوتَ أخبارنا أهلكتنا وعذّبتنا.
وسمعته يقول: تزيّنتَ للناس وتصنّعتَ لهم، وتهيّأت لهم، ولم تزل ترائي حتى عرفوك، فقالوا: رجل صالح، فقضوْا لك الحوائج، ووسَّعوا لك في المجلس، وعظَّموك خيبة لك، ما أسوأ حالك إن كان هذا شأنك.
وسمعته يقول: إن قدرتَ أن لا تُعرف فافعل، وما عليك أن لا تُعرف، وما عليك إن لم يُثنَ عليك، وما عليك أن تكون مذمومًا عند الناس إذا كنت عند الله محمودًا.
وأخيرا:
اعلم رحمني الله وإيّاك ما قصدت إلا نصيحتك ووصيتك، إن كانت هذه الأمور المذكورة عنك حقيقة فيك، ولو لا أن الناقل ثقة لما كتبت لك سوداء على بيضاء[41].
ثم اعلم رحمك الله أن هذه النصيحة كلها مبناها على ما تقدم نقله من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمنا عائشة رضي الله عنها وهو:" أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ إِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ".
فهو قال: إن كنت وإن كنت، ولم يقل قد فعلت وقد فعلت، وفرق بين التعبيرين، وفارق بين اللفظين، فاللفظ الأول يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغه كلام فبذل النصيحة، والثاني ـ لو كان ـ يعني أنه قد تيقن من كلام بلغه بطرق صحيحة.
فأنا بنيت نصيحتي هذه على الوجه الأول لا ثاني، والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم[42].
ثم إني أسأل الله لي ولك السلامة والعافية، من كل مصيبة وبلية، وأن يجعلنا من أهل التقوى والورع، وأن يجنبنا أهل الغرور والخدع، وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يفتح علينا أبواب مناجاته، ويرزقنا الشوق إلى لقائه، ولذة النظر إلى وجهه الكريم، وأن يحسن عاقبتنا، وأن لا يؤاخذنا بذنوبنا وسيئات أعمالنا، وأن يجعلنا من أوليائه الصالحين، وعباده المخلِصين المخلَصين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
تنبيه: مما يجدر التنبيه عليه أنه من أراد أن يراسل أخا له بمحتوى هذه النصيحة فعليه أن يحذف كل التعليقات والحواشي الموجودة في الأصل إلا ما كان من تخريج حديث أو شرح كلمة مبهمة فإنه لا بأس بهما لمسيس الحاجة إليهما والله الموفق للصواب ولا حول ولا قوة إلا بالله الملك الوهاب.

http://www.tasfiatarbia.org/vb/showthread.php?t=12461
ابوبيان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
  #20  
قديم 16-05-2017 , 01:58 PM
ابوبيان ابوبيان غير متواجد حالياً
عضو مميز
تاريخ التسجيل: Sep 2011
المشاركات: 2,642
افتراضي رد: !!!! عودي إلى الرحمن إلي كل اخت محافظه وإلي كل أخ ابتعد عن الله !!!!

- ومما يعين على ترك المعاصي بأكملها وترك هذه المعصية بعينها: معرفة العقوبات الشرعية التي رتبها الله عليها، فإن معرفة عقوبة الذنب، تستوجب من العاقل تركه ولا ريب، قال الإمام ابن القيم رحمه الله وهو يعدد بعض عقوباتها مجملة في كتابه الجواب الكافي[33] ص 98 وما بعدها:
فمما ينبغي أن يعلم أنّ الذنوب والمعاصي تضرُّ ولابدّ، وأنَّ ضررها في القلوب كضرر السموم في الأبدان، على اختلاف درجاتها في الضرر. وهل في الدنيا والآخرة شرٌّ وداءٌ إلاَّ وسببه الذنوب والمعاصي؟
فما الذي أخرج الأبوين من الجنة دار اللذة والنعيم والبهجة والسرور إلى دار الآلام والأحزان والمصائب؟
وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء، وطردَه ولعنَه، ومسخَ ظاهره وباطنه، فجعلت صورتُه أقبح صورة وأشنعها، وباطنُه أقبح من صورته وأشنع، وبدل بالقرب بعدًا، وبالرحمة لعنةً، وبالجمال قبحًا، وبالجنة نارا تلظّى، وبالإيمان كفرا، وبموالاة الولي الحميد أعظمَ عداوةٍ ومشاقّةٍ، وبزجلِ التسبيح والتقديس والتهليل زجلَ الكفر والشرك والكذب والزور والفحشِ، وبلباسِ الإيمان لباسَ الكفر والفسوق والعصيان. فهان على الله غاية الهوان، وسقط من عينه غاية السقوط، وحل عليه غضب الرب تعالى فأهواه، ومقته أكبر المقت فأرداه. فصار قوَّادًا لكل فاسق ومجرم، رضي لنفسه بالقيادة، بعد تلك العبادة والسيادة. فعياذا بك اللهم من مخالفة أمرك وارتكاب نهيك.
وما الذي أغرق أهل الأرض كلَّهم حتى علا الماء فوق رأس الجبال؟.
وما الذي سلط الريح العقيم على قوم عاد حتى ألقتهم موتي على وجه الأرض، كأنهم أعجاز نخل خاوية، ودمَّرت ما مرَّت عليه من ديارهم وحروثهم وزروعهم ودوابِّهم حتى صاروا عبرة للأمم إلى يوم القيامة؟.
وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحةَ حتى قطَّعت قلوبهم في أجوافهم، وماتوا عن آخرهم؟.
وما الذي رفع قرى اللوطية حتى سمعت الملائكةُ نبيحَ كلابهم، ثم قلبها عليهم، فجعل عاليها سافلها فأهلكم جميعا. ثم أتبعهم حجارة من السماء أمطرها عليهم، فجمع عليهم من العقوبة ما لم يجمعه على أمَّةٍ غيرهم؟. ولإخوانهم أمثالها، وما هي من الظالمين ببعيد!.
وما الذي أرسل على قوم شعيب سحابَ العذاب كالظُّلل، فلما صارَ فوق رؤوسهم أمطر عليهم نارا تلظّى؟.
وما الذي أغرق فرعون وقومه في البحر، ثم نُقلت أرواحُهم إلى جهنّم. فالأجساد للغرق، والأرواح للحرق؟.
وما الذي خسف بقارون وداره وماله وأهله؟.
وما الذي أهلك القرون من بعد نوح بأنواع العقوبات، ودمَّرها تدميرا؟.
وما الذي أهلك قوم صاحب يس بالصيحة، حتى خمدوا عن آخرهم؟.
وما الذي بعث على بني إسرائيل قومًا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار، وقتلوا الرجال، وسبوا الذريَّة والنساء، وأحرقوا الديار، ونهبوا الأموال. ثم بعثهم عليهم مرة ثانية فاهلكوا ما قدروا عليه، وتبَّروا ما علو تتبيرا؟.
وما الذي سلّطَ عليهم أنواعَ العقوبات، مرَّةً بالقتل والسبي وخراب البلاد، ومَرَّةً بجور الملوك، ومَرَّةً بمسخهم قردةً وخنازير، وآخر ذلك أقسم الرب تبارك وتعالى:" لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ"[34] إلخ.
ومما ذكر في كتابه هذا عقوبات الذنوب مفصلة فينبغي الرجوع إليها، والاستبصار فيها، فإن ذلك مما يعين على ترك المعصية والبعد عنها.
- ومما يعين على ترك المعاصي بأكملها وترك هذه المعصية بعينها: التعبد لله بعبادة أمرنا الله سبحانه أن نتواصى بها، وأن يرغب بعضنا بعضا فيها، لأهميتها وعظيم نفعها، ولأن العبد لا يمكنه في سيره إلى الله أن يستغني عنها، ألا وهي الصبر والتصبر، وقد ألف الإمام ابن القيم رحمه الله - كما لا يخفى عليك إن شاء الله[35] -، كتابا حافلا حول هذه العبادة، وتكلم عليها بكلام ليس عليه زيادة، وهو كتاب:"عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين"، فعد إليه وتدبر فصوله وجمله وكلماته، فقد حوى من الخير الشيء الكثير، ومن الدرر ما بها القلب يستنير. ومما جاء من كلام عليه[36]، لهذا الإمام نفسه، في غير الكتاب الذي تقدمت الإشارة إليه، قال رحمه الله في مدارج السالكين[37] ج2 ص 163:
وهو ثلاثة أنواع : صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على امتحان الله.
فالأولان: صبر على ما يتعلق بالكسب. والثالث: صبر على ما لا كسب للعبد فيه.
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: كان صبر يوسف عن مطاوعة امرأة العزيز على شأنها: أكمل من صبره على إلقاء إخوته له في الجب وبيعه، وتفريقهم بينه وبين أبيه، فإن هذه أمور جرت عليه بغير اختياره، لا كسب له فيها، ليس للعبد فيها حيلة غير الصبر. وأما صبره عن المعصية: فصبر اختيار ورضا ومحاربة للنفس، ولا سيما مع الأسباب التي تقوى معها دواعي الموافقة، فإنه كان شابا وداعية الشباب إليها قوية، وعزبا ليس له ما يعوضه ويرد شهوته، وغريبا والغريب لا يستحي في بلد غربته مما يستحي منه من بين أصحابه ومعارفه وأهله، ومملوكا والمملوك أيضا ليس وازعه كوازع الحر، والمرأة جميلة وذات منصب وهي سيدته، وقد غاب الرقيب وهي الداعية له إلى نفسها والحريصة على ذلك أشد الحرص، ومع ذلك توعدته إن لم يفعل: بالسجن والصغار، ومع هذه الدواعي كلها: صبر اختيارا وإيثارا لما عند الله وأين هذا من صبره في الجب على ما ليس من كسبه.
وقال ابن القيم رحمه الله في الكتاب نفسه وهو ينقل كلام المتقدمين على الصبر وتعاريفهم له ج2 ص 165:
وقف رجل على الشبلي فقال: أي صبر أشد على الصابرين؟ فقال: الصبر في الله. قال السائل: لا. فقال: الصبر لله. فقال: لا. فقال: الصبر مع الله. فقال: لا. قال الشبلي: فإيش هو؟. قال: الصبر عن الله. فصرخ الشبلي صرخة كادت روحه تتلف" إهـ.
قلت: وهذه والله هي الطامة الكبرى أن يصبر الإنسان على بعده عن ربه، وهو لا يمكنه أن يستغني طرفة عين عنه، فكيف يصبر العبد على من الخير كله بيديه، ومصالح العبد لا تتحقق إلا بمشيئته وإرادته، وتقديره وقضائه، وليس للعبد فوز إلا بالقرب منه والدنو من حضرته، ولا حياة ولا سعادة ولا فلاح ولا سرور ولا طمأنينة إلا بالتذلل له والاجتهاد في إرضائه.
- ومن أكبر ما يعين على ترك المعاصي بأكملها وترك هذه المعصية بعينها: تذكر المصير المحتم، والمفاجئ الأعظم، ومنغص الشهوات، وهادم اللذات، ألا وهو الموت الذي ينبغي الإكثار من ذكره، والاستعداد له قبل مجيئه، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أكثروا ذكر هاذم اللذات يعني الموت" رواه ابن ماجة وغيره وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن ابن ماجة.
- روى ابن قدامة رحمه الله في كتابه التوابين: عن علي بن الحسين قال: كان لنا جار من المتعبدين قد برز في الاجتهاد، فصلى حتى تورمت قدماه، وبكى حتى مرضت عيناه، فاجتمع إليه أهله وجيرانه فسألوه أن يتزوج، فاشترى جارية وكانت تغني وهو لا يعلم، فبينا هو ذات يوم في محرابه يصلي، رفعت الجارية صوتها بالغناء، فطار لبه فرام ما كان عليه من العبادة فلم يطق، فأقبلت الجارية عليه فقالت: يا مولاي لقد أبليت شبابك، ورفضت لذات الدنيا أيام حياتك، فلو تمتعت بي. فمال إلى قولها، واشتغل باللذات عما كان فيه من التعبد، فبلغ ذلك أخا له كان يوافقه على العبادة، فكتب إليه بسم الله الرحمن الرحيم، من الناصح الشفيق، والطبيب الرفيق، إلى من سلب حلاوة الذكر، والتلذذ بالقرآن، والخشوع والأحزان، بلغني أنك اشتريت جارية بعت بها من الآخرة حظك، فإن كنت بعت الجزيل بالقليل، والقرآن بالقيان، فإني محذرك هادم اللذات، ومنغص الشهوات، وموتم الأولاد، فكأنه قد جاء على غرة فأبكم منك اللسان، وهدم منك الأركان، وقرب منك الأكفان، واحتوشك الأهل والجيران، وأحذرك من الصيحة إذا جثت الأمم لهول ملك جبار، فاحذر يا أخي ما يحل بك من ملك غضبان، ثم طوى الكتاب وأنفذه إليه، فوافاه الكتاب وهو في مجلس سروره، فغص بريقه، وأذهله ذلك فنهض مبادرا من مجلس سروره، وكسر آنيته، وهجر جاريته، وآلى أن لا يطعم الطعام، ولا يتوسد المنام. قال الذي وعظه: فلما مات رأيته في المنام بعد ثلاث، فقلت ما فعل الله بك؟. قال: قدمنا على رب كريم أباحنا الجنة وقال:
الله عوضنــي ذو العرش جارية ... حوراء تسقيني طورا وتهنيني
تقول لي اشرب بما قد كنت تأملني ... وقر عينا مع الولدان والعين
يا من تخلى عن الدنيــا وأزعجه ... عن الخطايا وعيد في الطواسين
- ومما يعين على ترك المعاصي بأكملها وترك هذه المعصية بعينها: قراءة قصص التائبين، والنظر في سير المنيبين، والتبصر فيما ذكر عنهم، والاستبصار في أقوالهم وأعمالهم وأحوالهم، فإن الحكايات كما قال بعض السلف جند من جنود الله، يثبت بها من يشاء من عباده، وأنصحك بقراءة كتاب التوابين للإمام ابن قدامة رحمه الله على ما فيه، وها أنا أنتقي لك منه بعض قصصه، لعلها تحفزك على قراءته، والانتفاع به، وهي:
- روى الإمام ابن قدامة في كتاب التوابين ص 157[38]: عن جعفر الصائغ قال: كان في جيران أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رجل ممن يمارس المعاصي والقاذورات، فجاء يوما إلى مجلس أحمد يسلم عليه، فكأن أحمد لم يرد عليه ردا تاما وانقبض منه، فقال له: يا أبا عبد الله لم تنقبض مني؟ فإني قد انتقلت عما كنت تعهدني برؤيا رأيتها. قال: وأي شيء رأيت؟. قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، كأنه على علو من الأرض، وناس كثير أسفل جلوس. قال: فيقوم رجل رجل منهم إليه، فيقول: ادع لي، فيدعو له حتى لم يبق من القوم غيري. قال: فأردت أن أقوم فاستحيت من قبيح ما كنت عليه. قال لي: يا فلان لم لا تقوم إلي فتسألني أدعو لك؟. قال قلت: يا رسول الله يقطعني الحياء لقبيح ما أنا عليه. فقال: إن كان يقطعك الحياء فقم فسلني أدع لك، فإنك لا تسب أحدا من أصحابي. قال: فقمت فدعا لي فانتبهت وقد بغض الله إلي ما كنت عليه. قال: فقال لنا أبو عبد الله: يا جعفر يا فلان حدثوا بهذا واحفظوه فإنه ينفع.
- وروى رحمه الله في الكتاب نفسه ص 124[39]: عن مالك بن دينار أنه سئل عن سبب توبته، فقال: كنت شرطيا، وكنت منهمكا على شرب الخمر. ثم إنني اشتريت جارية نفيسة؛ ووقعت منّي أحسن موقع، فولدت لي بنتا، فشغفت بها، فلما دبت على الأرض ازدادت في قلبي حبا، وألفتني وألفتها.
قال: فكنت إذا وضعت المسكر بين يَدَيَّ، جاءت إليَّ، وجاذبتني عليه، وهرقته من ثوبي.
فلما تمّ لها سنتان ماتت؛ فأكمدني حزنها.
فلما كانت ليلة النصف من شعبان، وكانت ليلة الجمعة، بتُّ ثَمِلًا من الخمر؛ ولم أصل فيها عشاء الآخرة. فرأيت فيما يرى النائم كأن القيامة قد قامت، ونفخ في الصور، وبعثرت القبور، وحشر الخلائق، وأنا معهم. فسمعت حسًّا من ورائي، فالتفت، فإذا أنا بتنِّينٍ، أعظم ما يكون، أسودَ أزرقَ، قد فتح فاه مسرعًا نحوي.
فمررت بين يديه هاربًا مرعوبًا، فمررت في طريقي بشيخٍ نقيِّ الثوب، طيّب الرائحة؛ فسلمت عليه فردَّ السلام، فقلت: أيّها الشيخ! أجرني من هذا التنِّين أجارك الله. فبكى الشّيخ وقال لي: أنا ضعيف، وهذا أقوى منِّي، وما أقدر عليه، ولكن مُرّ وأسرع، فلعل الله أن يُتِيح لك ما ينجيك منه.
فولَّيْتُ هاربًا على وجهي، فصعدتُ على شَرف من شُرَف القيامة، فأشرفت على طبقات النِّيران، فنظرت إلى هولها، وكدت أهوي فيها من فزع التنين، فصاح بي صائح: ارجع فلست من أهلها، فاطمأننت إلى قوله ورجعت.
ورجع التنِّين في طلبي، فأتيت الشيخ فقلت: يا شيخ، سألتك أن تجيرني من هذا التنِّين فلم تفعل. فبكى الشيخ، وقال: أنا ضعيف ولكن سر إلى هذا الجبل، فإن فيه ودائعَ المسلمين، فإن كان لك فيه وديعة فستنصرك.
قال: فنظرت إلى جبل مستدير من فضّة، وفيه كوًى مخرَّمة، وستور معلقة، على كُلِّ خوخة وكوَّة مصراعان من الذهب الأحمر، مفصَّلة باليواقيت، مكوكبة بالدّر، على كل مصراع ستر من الحرير.
فلما نظرت إلى الجبل، ولَّيتُ إليه هاربًا، والتنِّين من ورائي، حتى إذا قربت منه صاح بعض الملائكة: ارفعوا السُّتور، وافتحوا المصاريع، وأشرفوا، فلعل لهذا البائس فيكم وديعة تجيره من عدوِّه، فإذا الستور قد رُفعت، والمصاريع قد فتحت، فأشرف عليَّ من تلك المخرمات أطفال بوجوه كالأقمار. وقَرُبَ التنِّينُ مني فتحيَّرْتُ في أمري.
فصاح بعض الأطفال: ويحكم أشرفوا كُلّكم فقد قربَ منه عدوُّه.
فأشرفوا فوجًا بعد فوج، وإذا أنا بابنتي التي ماتت قد أشرَفَتْ عليَّ معهم.
فلما رأتني بكت وقالت: أبي والله، ثُمَّ وَثَبَتْ في كَفَّة من نور، كَرَمْيَةِ السَّهْمِ، حَتَى مَثُلَتْ بَيْنَ يَدَيَّ. فمدّت يدها الشِّمال إلى يدي اليمنى، فتعلَّقْتُ بها، ومدَّت يدها اليمنى إلى التنِّينِ فولَّى هاربا.
ثم أجلستني وقعدت في حجري، وضربت بيدها اليمنى إلى لحيتي، وقالت: يا أبتِ :" أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ" سورة الحديد من الآية 16. فبكيت، وقلت: يا بُنَيَّة، وأنتم تعرفون القرآن؟. فقالت: يا أبت! نحن أعرف به منكم.
قلت: فأخبريني عن التنِّين الذي أراد أن يهلكني؟. قالت: ذلك عملك السوء، قوَّيتَه، فأراد أن يغرقك في نار جهنّم.
قلت: فأخبريني عن الشيخ الذي مررت به في طريقي؟. قالت: يا أبتِ! ذلك عملك الصَّالح، أضعفته، حتى لم يكن له طاقة بعملك السوء.
قلت: يَا بُنَيَّة! وما تصنعون في هذا الجبل؟. قالت: نحن أطفال المسلمين، قد أُسكِنَّا فيه إلى أن تقوم الساعة، ننتظركم تقدمون علينا فنشفعَ لكم.
قال مالك: فانتبهتُ فزعًا، وأصبحتُ، فَأَرَقْتُ المسكر، وكَسَّرتُ الآنية، وتُبتُ إلى الله عَزَّ وَجلّ، وهذا كان سبب توبتي.
- وروى في الكتاب نفسه ص 126[40] بسنده: عن علي بن خشرم قال: أخبرني رجل من جيران الفضيل بن عياض، قال: كان الفضيل يقطع الطريق وحده. فخرج ذات ليلة ليقطع الطريق، فإذا هو بقافلة قد انتهت إليه ليلًا، فقال بعضهم لبعض: اعدلوا بنا إلى هذه القرية فإن أمامنا رجلًا يقطع الطريق، يقال له: الفضيل.
قال: فسمع الفُضيل، فأُرعِد، فقال: يا قوم أنا الفضيل، جوزوا، والله لأجتهدَنَّ أن لا أعصي الله أبدًا، فرجع عما كان عليه. ورُوِيَ من طريق أُخْرَى: أنه أضافهم تلك الليلة؛ وقال: أنتم آمنون من الفضيل. وخرج يرتاد لهم علفا، ثمّ رجع فسمع قارئا يقرأ:" أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ" سورة الحديد من الآية 16.
قال: بلى والله قد آن. فكان هذا مبتدأ توبته.
وقال إبراهيم بن الأشعث: سمعت فُضَيلًا ليلة وهو يقرأ سورة محمد صلى الله عليه وسلم، ويبكي ويردد هذه الآية:" وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31)" سورة محمد. وجعل يقول: وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ، ويردّد ويقول: وتبلوَ أخبارنا، إن بلوتَ أخبارنا فضحتنا، وهتكتَ أستارنا، إن بلوتَ أخبارنا أهلكتنا وعذّبتنا.
وسمعته يقول: تزيّنتَ للناس وتصنّعتَ لهم، وتهيّأت لهم، ولم تزل ترائي حتى عرفوك، فقالوا: رجل صالح، فقضوْا لك الحوائج، ووسَّعوا لك في المجلس، وعظَّموك خيبة لك، ما أسوأ حالك إن كان هذا شأنك.
وسمعته يقول: إن قدرتَ أن لا تُعرف فافعل، وما عليك أن لا تُعرف، وما عليك إن لم يُثنَ عليك، وما عليك أن تكون مذمومًا عند الناس إذا كنت عند الله محمودًا.
وأخيرا:
اعلم رحمني الله وإيّاك ما قصدت إلا نصيحتك ووصيتك، إن كانت هذه الأمور المذكورة عنك حقيقة فيك، ولو لا أن الناقل ثقة لما كتبت لك سوداء على بيضاء[41].
ثم اعلم رحمك الله أن هذه النصيحة كلها مبناها على ما تقدم نقله من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمنا عائشة رضي الله عنها وهو:" أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ إِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ".
فهو قال: إن كنت وإن كنت، ولم يقل قد فعلت وقد فعلت، وفرق بين التعبيرين، وفارق بين اللفظين، فاللفظ الأول يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغه كلام فبذل النصيحة، والثاني ـ لو كان ـ يعني أنه قد تيقن من كلام بلغه بطرق صحيحة.
فأنا بنيت نصيحتي هذه على الوجه الأول لا ثاني، والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم[42].
ثم إني أسأل الله لي ولك السلامة والعافية، من كل مصيبة وبلية، وأن يجعلنا من أهل التقوى والورع، وأن يجنبنا أهل الغرور والخدع، وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يفتح علينا أبواب مناجاته، ويرزقنا الشوق إلى لقائه، ولذة النظر إلى وجهه الكريم، وأن يحسن عاقبتنا، وأن لا يؤاخذنا بذنوبنا وسيئات أعمالنا، وأن يجعلنا من أوليائه الصالحين، وعباده المخلِصين المخلَصين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
تنبيه: مما يجدر التنبيه عليه أنه من أراد أن يراسل أخا له بمحتوى هذه النصيحة فعليه أن يحذف كل التعليقات والحواشي الموجودة في الأصل إلا ما كان من تخريج حديث أو شرح كلمة مبهمة فإنه لا بأس بهما لمسيس الحاجة إليهما والله الموفق للصواب ولا حول ولا قوة إلا بالله الملك الوهاب.

http://www.tasfiatarbia.org/vb/showthread.php?t=12461
رد مع اقتباس